مما لا شك فيه أن الحضارة الغربية قفزت قفزة نوعية بما أحدثته من تقنية في المجالات الإبداعية والصناعية والعلمية غير أنها لم ترتق إلى الحضارة المدنية بمفهومها الواسع حيث اقتصرت على الجانب المادي بعيدا عن مجموعة القيم الروحية والأخلاقية والتي تعد الأساس المتين لأية حضارة تتسم بالديمومة والاستمرارية ومع ان الأمة العربية والإسلامية تمتلك موروثًا حضاريًا وثقافيًا غنيًا بالقيم الاّ أنها عاجزة عن مواكبة التقدم العلمي والتكنولوجي لسبب بسيط وهو أننا لا نريد أن نتعلّم من الآخرين أو نستفيد من تجاربهم العلمية ففي حين يتقدم الآخرون علميًا نحن نتراجع علميًا ومعرفيًا !!.?ولعلك توافقني إذا زعمت القول بأن غالبية الشباب العربي والذين هم العمود الفقري للأمة وسرّ نهضتها قد تأثروا تأثرًا لا حدود له بمظاهر الحضارة الغربية بكل جوانبها السلبية ولعل معطيات الواقع تؤكد هذه الحقيقة، أما ترى معي على سبيل المثال لا الحصر: أن بعض الشباب يرتدي البنطلون الواسع أو الضيق جدًا ويضع على عنقه سلسلة تشبّهًا بالنساء كما يضع إسوارة على يده ذات ألوان تثير الاشمئزاز ويضع على شعره الطويل ربطة شعر حتى أنه أضحى لقصّ الشعر مصطلحات ومسمّيات مختلفة بحسب الموضة بل ربما يزيّن وجهه بمساحيق التجميل !!! فإذا رأيته بأم عينك وهو يمشي متمايلًا متبخترًا تكاد لا تميّز بينه وبين الجنس الآخر.?إن معظم هؤلاء الشباب لا اهتمام لهم سوى متابعة موديلات الجوالات والموضة ولعلك ترى كيف يتفنّنون بقصّ شعر الذقن فتارة يجعلون منه خيطًا دقيقًا لا يرى بالعين المجردة وتارة يقصّونه من منتصف الخدّ وأخرى يرسمون خطوطًا متعددة وأشياء ليس مكانها الوجه!.?فإذا وجّهت له نصيحة ما ردّ عليك: (عيش حياتك ودعك التخلّف) أما إذا سألته ماذا تعرف عن الشيخ محمد عبدالوهاب أو عن جمال الدين الافغاني أو صلاح الدين الايوبي أو من هما الشيخان مثلا؟ فإنه يهمهم بكلام لا تفهمه ويتلكأ بالجواب وأحسنهم حالا يطلب منك ان تضع له خيارات للإجابة على السؤال!!?لكن إذا سألته عن الفنان الغربي أو الراقصة الفلانية فانه يجيبك قبل أن تكمل السؤال!!?لقد ساعد على انتشار هذه الثقافة بين الشباب تزاحم القنوات الفضائية الهابطة في ظل غياب الرقابة والتوعية السليمة للنشء ، الأمر الذي أدّى إلى انسلاخ الكثير من الشباب عن هويتهم الوطنية والدينية وبالتالي الهرولة نحو التقليد السلبي للغرب ولو أنهم حاولوا تقليد الغرب في ميادين العلوم التطبيقية والبحث العلمي لكنّا أفضل مما نحن عليه. والسؤال الذي يفرض نفسه على الطرح في هذا الصدد هو : هل مثل هؤلاء الشباب سيكونون فاعلين في أوطانهم؟ بكل تأكيد الجواب سيكون بالنفي لكن الجواب لا يكفي لماذا؟ لان المشكلة أعمق من مجرد سؤال وجواب.?وحلّها لن يتأتى الاّ بالرجوع إلى ذواتنا ومناقشتها مناقشة موضوعية وصولًا إلى معرفة الأسباب الحقيقية والعمل جدّيًا لوضع الحلول المناسبة حتى لا تتفاقم مثل هكذا ظاهرة خطيرة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية وهو الدّور المنوط به القيام من قِبلِ الأسرة ثم وزارتي التربية والتعليم والثقافة والإعلام على حدّ سواء.