كباااااااااااريه يحرك ظميرك؟

لا يمكن أن تنتهي من مشاهدة فيلم (كباريه) دون أن تجد نفسك مليئاً بشحنة فنية تراجيدية تجعلك تفكر في شيء يخصك أو يحيط بك.. يجعلك تعيد النظر فيه.
(كباريه).. الذي نجح فيه مؤلفه أحمد عبدالله في إثراء تفاصيل شخصياته التي تشكلت من نجوم الصف الثاني أو السنيدة في السينما المصرية بخيوط متشابكة.. لكنها ممدودة من بكرة واحدة.. وبصورة بسيطة مليئة بالشحنات الشخصية والإنسانية المتناقضة لكل شخصية على حدة.
كما أجاد مخرجه سامح عبدالعزيز في رصد تفاصيل حكاية كل شخصية من زوايا تتسلل إلى قلبك بين أن تتعاطف معها حينا أو تشفق عليها حيناً آخر.. لكن أبداً لا تحاسبهم على ما يفعلونه في لحظات كثيرة بعد أن يوحي لك المؤلف والمخرج مبرراً لسلوكهم .. يجعلك ربما تدعو لهم بالصلاح والعودة لطريق الحق.
(كباريه).. الذي يحصد الآن ملايين الجنيهات في إيرادات السينما.. ويتصدر المراكز الأولى مع بعض الأفلام تفوق فيه ثالوث التأليف والإخراج والانتاج بقيادة أحمد السبكي الذي صرف ميزانية (14) مليون جنيه على أنفسهم.. بعد اتهامهم وخاصة السبكي بانتاج أفلام سابقة فارغة فنياً ناجحة في شباك التذاكر.. واستطاعوا هذه المرة تقديم فيلم صنفه بعض النقاد أنه أحد أفضل (5) أفلام في عام 2008.
كما كان لارتكاز الفيلم على نجوم الصف الثاني في عمل جماعي متكامل فيما بينهم جعل النجاح يسجل لجميع صناع ومشاركي الفيلم.. إضافة إلى تطرق فكرة الفيلم إلى زاوية جديدة على المشاهد.. وهي عالم الليل والملاهي الليلية الغامضة لكثير من عامة الناس.
وأجمل محاور الفيلم تعريته لازدواجية شخصية الكثير.. وهو داء عربي أصيل.. وليس مصرياً كما حاول البعض حصره بل ظل مؤلف الفيلم ومخرجه يحفران بحرفية وبسلاسة في ذلك الجانب حتى لا ينفران المشاهد ويجعلانه يتقبل حقيقة نفسه أو مجتمعه بشكل أقرب إلى الاقناع.
ومن المشاهد الأولى يبعث الفيلم برسالته عن معالجة الازدواجية عندما يرصد عم علام (أحمد بدير) وهو يخرج من صلاة الجمعة.. ويتوجه إلى عمله.. فاذا به في الكباريه كموظف يقدم الخمور للزبائن.
وفؤاد حامد (صلاح عبدالله) مدير الكباريه يظهر في أقصى التناقض وهو مدير محله بوجهين.. وجه يقاسم فيه الـ(مومسات) المرتبطات بالكباريه نقودهم التي يحصلون عليها من متعتهم مع الزبائن.. ويحرض آخرين على جلب النساء المنحرفات لمحله.. وفي نفس الوقت لا يشرب الخمر ويستبدله بالحليب.. ولا يستمع من خلف زجاج مكتبه المطل على الصالة للمطربين الذين يصدحون بأصواتهم وموسيقاهم المزعجة بل ترانيم تواشيح دينية(!!).
ويعامل شقيقه خميس (ماجد الدوكاني) بقسوة بعد أن اشترى نصيبه في المحل منه.. بفكه رهن دخل به في لعبة قمار.. ويصل به إلى حبسه في حمامات المحل وسط تدهور حالة شقيقه النفسية الذي يستجديه العودة ولو بالعمل في الصالة كمدير، فيردعه بعبارة جارحة: (عمرك شفت مدير صالة أعرج)، وكان خميس قد أصيب في رجله بسبب (خناقة) دفاعاً عمن يتهكم عليه ويحرجه ويجعله حبيس دورات المياه وشفقة وشماتة زبائن المحل وأسيراً للخمر، وكلاهما تألق في أداء دوره.
وهناك نهى (جمانة مراد) العاملة في الصالة كامرأة لعوبة محترفة على تحريك مشاعر ورغبات الزبائن، واصطياد الفتيات وضمهن إلى صالة المحل كمرافقات لزبائن الكباريه، كما فعلت مع علا غانم الهاربة من أهلها في الأرياف، وهي تجمع ـ أي جمانة ـ ما تكسبه من المحل لأجل توفير مبلغ لأمها العجوز التي لا تدري عن نوع عملها للسفر للحج.
وذاك سيد كيت (علاء مرسي) يجمع آلاف الجنيهات من نقوط الزبائن، وهو عاجز عن توفير ألف جنيه مصاريف ابنته المهددة بالطرد من مدرستها، وسط صراع بينه وبين زوجته على مبدأ الحلال والحرام في عمله.
ولم يجد فرعون (محمد لطفي) البودي جارد في المحل الذي يعتبر نفسه بطلاً من أبطال الوطن بمشاركته في إحدى الحروب.. لكنه لم يجد دعماً أو تكريماً من الدولة يكفل له عيشة كريمة فلجأ إلى عمل (البلطجة)، ولا يبالغ الفنان عبدالله محمد في دور السايح الخليجي الذي يلجأ أيضاً إلى الملهى الليلي وعبثه الفجوري عندما يبرر ذلك بأنه يفعل ذلك لأنه يخون زوجته في سفره فيفضل أن يلهو ويتعاطى المسكرات حتى ينسى عذاب ضميره.
وكالعادة أثبت خالد الصاوي أنه يسيطر بإبداع على أية شخصية يؤديها، عندما قام بدور المطرب النجم (بلعوم) في الكباريه، والذي يحظى باهتمام الثرية العربية (هالة فاخر) التي تصرف عليه بسخاء، ثم تتجاذبه الصراعات الخاصة والعملية مع زوجته من جهة التي ترفض العيش معه لأن مصدر رزقه (حرام) وتنفصل عنه بالحاح.
ومن جهة أخرى صراع على مكانته في الكباريه وعالم الغناء مع مطرب صاعد (ادوارد) الذي كان صبيه يوماً من الأيام.. فأصبح ينافسه في الغناء، ويسدد له اللكمة القاضية بخطف إعجاب وقلب الثرية العربية فيفقد كل شيء.
ويجدد مؤلف ومخرج الفيلم بعث رسالة أخرى للمشاهد عبر شعلان (فتحي عبدالوهاب) أحد أعضاء جماعة إسلامية، والذي كلف بدخول الكباريه ملغماً بالمتفجرات لنسف المكان بمن فيه باعتباره أنه مصدر فساد.
فيعجز في موقف تراجيدي ـ كوميدي عن تفجير نفسه بعد عطل في (زر) الديناميت المحاط بخاصرته، فينهار بين ذهوله وفرحته فيتلقفه (عم علام) أحمد بدير، ويدخله إلى دورة المياه ويقوم بتهدأته، وبعد لحظات غفل عنه فيها ليتفاجأ شعلان بعم علام وهو يؤدي صلاة الفجر في زاوية من ممرات الكباريه الخلفية، فيتحاور معه عن إيمانه وعمله والتناقض بينهما ويقنعه بأن الرزق القليل والدائم أفضل من الرزق المتواصل من مصدر مشبوه، ويحاول شعلان أيضاً اقناع رئيس الجماعة الإرهابية الذي يستفسر عبر الجوال عن سر تأخر العملية بأن هناك أملاً بالحوار في تصحيح أوضاع كثير من الناس بدلاً من العنف مما يضطر الرئيس إلى بعث آخر لتفجير الكباريه الذي لم ينج منه غير (العم علام).
ولفتت (جمانة مراد) بتمكنها في أداء مشهد ما قبل التفجير بلحظات وهي تدخل باكية إلى الكباريه بعد أن أحضر أبناء حارتها أمها في نعش إلى أمام بوابة الكباريه بعد أن عجزوا عن الوصول إلى عملها الذي لا يعلمون عنه إلا بالمصادفة لاخبارها بوفاة والدتها ومشاركتها في تشييعها، فتدخل الكباريه في انهيار كامل والدموع على خدها وهي تردد بشكل متواصل وبخطى ثقيلة (اعطوني حاجة استر بيها نفسي) بعد أن طلب منها أحد المشيعين ذلك أمام البوابة.