كشفت مأساة الطفلة شرعاء التي قضت نحبها على يد والدها بدعوى تأديبها عن الحاجة الماسة لتشريع قانون محكم يتيح للجهات المعنية التدخل في حالات العنف الأسري قبل وأثناء وقوعها وليس بعدهما. وفيما أكد لـ "الوطن" وزير الشؤون الاجتماعية عبدالمحسن العكاس أن الوزارة قدمت بالفعل مشروع نظام شامل ومتكامل لعلاج العنف الأسري منذ أكثر من عام وتنتظر الموافقة عليه، قالت مصادر أمنية متعددة إن التحرك في مثل هذه الحالات يتم فور تلقي البلاغات... يعني ذلك أن التدخل يتم بعد وقوع الكوارث لا قبلها.
ويقول مدير شرطة عسير اللواء علي بن خليل الحازمي إن الحالات التي يطلق عليها حالات عنف ويتم الانتقال لها هي الحالات التي تتسبب في "عاهة مستديمة" أو "جروح قطعية" لافتاً إلى أن حالات الضرب الذي يقصد منه تربية الأبناء لا يتم التدخل فيها".
بدورها أجمعت الجهات ذات الصلة على المستويين الصحي والاجتماعي على أن التدخل يكون بعد استلام الجثة من جانب الطب الشرعي، وبعد فحص الحالة وظروف الأسرة من جانب لجان الحماية.
سألنا مسؤولة قسم الحماية الاجتماعية بمنطقة الرياض موضي الزهراني فقالت "إن دورنا ينحصر في دراسة حالة العنف التي وقعت ودراسة وضع الأسرة للاستفادة من هذه المعلومات في الحد من تكرار وقوع مثل هذه الحوادث".
سألنا "الصحة" ممثلة في مركز الطب الشرعي فأفاد مسؤولوه بأن المركز يعكف على صياغة تقرير الطب الشرعي الخاص بالطفلة شرعاء سألنا رئيس لجنة العنف الأسري بالشؤون الصحية في منطقة الرياض الدكتور سعيد بن غرم الله الغامدي فقال إن اللجنة أنشأت لجاناً فرعية في كل مستشفى لاستقبال حالات العنف الأسري!
هكذا وباختصار فإن جميع المصادر والجهات ذات العلاقة باستثناء الوزير العكاس تتحدث عن دورها ومهامها بعد وقوع الكارثة.. ليظل السؤال الكبير مطروحاً: كيف يمكن لهذه الجهات وغيرها أن تتدخل قبل وقوع الكوارث أو على الأقل أثناء حدوثها؟! تلك هي المشكلة!
--------------------------------------------------------------------------------
لم تكن مأساة الطفلة شرعاء هي الأولى ولن تكون الأخيرة في مسلسل العنف الأسري، ومع كل شرعاء تخرج من هنا وهناك إضاءات أو إشارات تحذير سرعان ما تخبو تماما لدرجة الانطفاء عندما لا يتم حسمها.
ومن الواضح أن المحاولات الساعية للقضاء أو التقليل من إفرازات هذه الظاهرة على نبلها وأهميتها تتقاطع مع أمور أخرى تعود بها في نهاية الأمر لنقطة الصفر.
ورغم أهمية الحاجة إلى تشريع قانوني يتيح بشكل واضح وصريح للسلطات التنفيذية التدخل لحماية الأطفال من الإيذاء بمختلف أشكاله الجسدية والنفسية، فإن هذا القانون حال صدوره لن يكون كافيا طالما انعدمت الثقافة اللازمة والتوعية الدائمة على مستوى الأسرة والمدرسة والشرطة أيضاً.
وزير الشؤون الاجتماعية عبدالمحسن العكاس قال لـ"الوطن" إن الوزارة تعكف حاليا على دفع جهات الاختصاص لإيجاد قانون رسمي يساعد في تفعيل دور الوزارة في مجال الحماية الأسرية.
والمعلومات التي حصلت عليها "الوطن" مؤخراً تشير إلى أن الأمن يملك بالفعل حق التدخل في قضايا العنف الأسري عند ورود أي بلاغ في هذا الخصوص.. لكن المشكلة باختصار ووضوح تكمن في أن التدخل الأمني على أهميته لا يتم عادة إلا بعد حصول إيذاء حقيقي للضحية يصفه مسؤول أمني بأنه "المؤدي إلى عاهة أو قطع".
هكذا وباستثناء "العاهة" و"القطع" لا يمكن للشرطة أن تتدخل حال وجود شبهة تعنيف من الأب تصل إلى حد السحل والقهر النفسي أو الجسدي.. فالأب هنا "يربي ابنه أو ابنته "بالطريقة التي يراها" وفي الوقت الذي يراه وفي السن التي يحددها هو لضرب ابنه أو ابنته!
في هذه المساحة أو المسافة الفاصلة بين "العاهة" و"القطع" وما عداهما ستجد على مستوى الشارع والملعب والمدرسة زهورا ذبلت ونفوساً قُهرت وأجساداً نحلت من كثرة الضرب والركل والصفع.
في هذه المسافة تحديداً سترى داخل الفصول وجوها مصفرة وأفئدة مرتجفة وعقولاً شاردة من هول ما رأته وما تتوقع أن تراه فور العودة من المدرسة.
المعلم والمعلمة والمشرف التربوي
هنا تبرز الحاجة إلى دور المدارس في الحد من هذه الظاهرة.. المعلمة التي تلاحظ أن تلميذتها الصغيرة لم تتوقف عن البكاء طوال الحصة!
والمعلم الذي يرى تلميذه وهو يتقيأ دما طوال الوقت، والمشرف الطلابي الذي يلاحظ تكرار غياب هذا التلميذ بالذات.. كل هؤلاء يستطيعون القيام بدور في وقف هذا الإيذاء الذي لا يرضاه شرع ولا عقل.
لقد تم تعليق شرعاء على باب غرفة داخل منزلها في حي السلام الراقي بالرياض وليس في حي آخر من الأحياء البعيدة عن الأعين.. بل إن منزل شرعاء تحديدا يقع في منطقة ترتبط بشبكة سريعة تؤدي إلى مطار الرياض شمالاً، وإلى طريق مكة المكرمة غرباً، وإلى طريق الدمام شرقاً، وطريق الخرج جنوباً.
لكن لا المنزل الأنيق نفعها ولا شبكة الطرق ساعدت في إنقاذها ولا دقات جرس الهاتف أعلنت عن مأساتها!
الدليل على ذلك أن جدة شرعاء "أم الأب القاتل" ذكرت في تصريحات سابقة أنها تقدمت بعدة شكاوى للشرطة وأبلغتهم بالعنف الذي يمارس ضد حفيدتها، غير أن الشرطة على حد قولها كانت دوماً تعتذر بأنها لا تستطيع أن تتدخل في مسائل أسرية.
لقد تشابكت الأمور حتى وصلت إلى الصورة المعقدة التي وصلنا إليها مجتمعياً..
الجدة أبلغت والشرطة عرفت لكن ما هي حدود التدخل الذي يتيح للشرطة أن تدخل المنزل، وإن دخلت وسألت فهل من حق هذا الجندي أو ذاك الضابط أن يفتش المنزل للبحث عن الباب الذي عُلقت عليه شرعاء؟!
هنا يؤكد الوزير العكاس لـ"الوطن" أن النظام الذي تسعى وزارته لوضعه أو تفعيله أو تقنينه "نظام شامل ومتكامل لعلاج العنف الأسري" وزاد الوزير قائلاً إن الوزارة تقدمت بهذا النظام منذ أكثر من عام وتنتظر الموافقة عليه.
من الذي كان يحتاج إلى شريط؟
لقد رحلت شرعاء قبل أن تستمع لشريط إسلامي كانت ستحصل عليه "هدية" من والدها بعد نوبة العقاب العنيف الذي برره الأب، بأنه كان بهدف التأديب فقط.. ويقيناً أن الأب على النحو الذي ورد في القصة كان يحتاج إلى شريط بل وأشرطة للتهذيب والتأديب والحلم والعفو والصفح الجميل.
لقد غادر الأب المنزل بعد أن علّق ابنته وعاد ومعه شريط التوعية الإسلامية، فمن الذي كان يحتاج الشريط؟
الشريط لن ينتهي
رحلت شرعاء وبقي الشريط الذي لن يتوقف ولن ينتهي طالما تشابكت الأمور لدرجة عدم إمكانية التدخل الأمني وطالما لم تكن هناك "عاهة" أو "قطع".. هنا يؤكد مصدر أمني قريب من مدير الأمن العام أن هناك نظاماً يتيح لرجال الأمن التدخل عند وقوع حالات عنف داخل الأسرة. لكن هذا المصدر مثل سابقه يؤكد أن النظام يتيح التدخل فقط في حالة "الاعتداء والخطورة".
ويشير المصدر الذي رغب في عدم الكشف عن اسمه "وهذا في حد ذاته يعكس حجم المشكلة" إلى أنه بمجرد اتصال أي فرد من أفراد الأسرة التي تواجه حالة عنف على الرقم "999" يتم التجاوب معه بشكل فوري!
نحتاج ما قبل وليس ما بعد
سألنا مدير شرطة منطقة عسير اللواء علي بن خليل الحازمي عن الخطوات التي تتم في مواجهة حالات العنف فقال "إنه وبمجرد وصول البلاغ من المتضرر سواء كان عن طريق أقسام الشرطة أو الدوريات الأمنية يتم الانتقال مباشرة إلى موقع الحادث لإسعاف المصاب ونقله للمستشفى وفتح تحقيق مع المتسبب في حالة العنف.
وما هي حالة العنف؟ يقول اللواء الحازمي "هي تلك التي تسبب عاهات مستديمة أو جروحاً قطعية كبيرة أو كسوراً".
"أما فيما يخص الضرب الذي يقصد منه تربية الأبناء فلا يتم التدخل".
سألنا مسؤولة قسم الحماية الاجتماعية بمنطقة الرياض موضي الزهراني فقالت "إن دورنا ينحصر في دراسة حالة العنف التي وقعت ودراسة وضع الأسرة للاستفادة من هذه المعلومات في الحد من تكرار وقوع مثل هذه الحوادث".
سألنا "الصحة" ممثلة في مركز الطب الشرعي فأفاد مسؤولوه بأن المركز يعكف على صياغة تقرير الطب الشرعي الخاص بالطفلة شرعاء سألنا رئيس لجنة العنف الأسري بالشؤون الصحية في منطقة الرياض الدكتور سعيد بن غرم الله الغامدي فقال إن اللجنة أنشأت لجاناً فرعية في كل مستشفى لاستقبال حالات العنف الأسري!
هكذا وباختصار فإن جميع المصادر والجهات ذات العلاقة باستثناء الوزير العكاس تتحدث عن دورها ومهامها بعد وقوع الكارثة.. ليظل السؤال الكبير مطروحاً: كيف يمكن لهذه الجهات وغيرها أن تتدخل قبل وقوع الكوارث أو على الأقل أثناء حدوثها؟! تلك هي المشكلة!