ليست المآسي العربية متعلقة فقط بالصراعات مع إسرائيل وأمريكا في فلسطين والعراق والسودان، وإنما بحالات عديدة مثل خلافات الصحراء بين الجزائر والمغرب، ولبنان وسورية، والعراق وإيران، وكذلك الإمارات مع الجزر، التي استولت عليها إيران، وبصرف النظر عن أهمية كل حالة ومؤثراتها، إلا أن الصومال البلد العربي المنسي، والمهمل، والذي لا يفهم حالته التاريخية والراهنة أي أستاذ جامعي، أو طالب، أو حتى مواطن عربي عام يُعَدُّ من أثرى البلدان العربية بعد السودان، ولكننا لا نرى أي اهتمام به حيث يترك نهباً لقتال القبائل وأطماع أثيوبيا..
من يتصور أن جغرافيته تختزن تنوعاً هائلاً قادراً أن يكون سلة غذاء دول الجزيرة العربية، والقرن الأفريقي، وأن طول ساحله يزيد على ثلاثة آلاف كيلومتر حسب الاستطلاعات التي تبنتها بعض وسائل الإعلام والدراسات الموثقة، عن هذا البلد المنكوب والذي يوجد على الخارطة العربية كجزء من اسم لعضوية في الجامعة العربية أو المنظمات الإسلامية والأفريقية، لا يحظى بأي التفاتة حتى من أمين الجامعة العربية الذي لا نعرف له أي دور مضيء، وكذلك من سبقوه في قراءة وتحليل والمساهمة بما يجري في هذا البلد العربي المنهوب، والموضوع على دوائر الأطماع الإقليمية والدولية..
لم تظهر صورة الصومال، إلا عندما نزلت القوات الأمريكية على أرضه فكان الصدام وسحل عدد من جنودها في شوارع مقديشو، وعندها هربت تلك القوات لأنها شعرت أن هذا المستنقع قابل لابتلاع أي غزو للدولة العظمى، والمظهر الثاني عندما انتشرت عناصر المحاكم وتم غزو أثيوبيا لهذا البلد، والصورة الأخيرة، جاءت من استيلاء قراصنة على عدة سفن ويخوت مقابل أتاوات تدفع لتلك العصابات المحترفة..
هذه الصور النمطية أبقت الصومال خارج مدارات الاهتمام حتى من جيرانه الأقربين، والمؤلم أن دولاً عربية ذات نفوذ كبير على الساحتين الإقليمية والدولية تركت الصومال لحاله وظروفه، وفي هذه الساحة قد تستبدل التنمية بمزارع للإرهاب وهو ما يحدث الآن، لأن الجائعين لديهم فوائض عاطفية قد توجههم لأي عنصر يوظفهم بالاتجاه الذي يريده..
هناك اجتماعات تجري دولية وبمساهمات عربية لما يسمى بالدول المانحة طالت أكثر من دولة عربية ودولية، لكن الصومال ظل خارج هذا التصور والاهتمام، والمؤسف أن هذا البلد الذي لا يوضع على أي خارطة سياسية أو أمنية يساوي في أهميته العديد من الدول العربية التي تتحرك أفقياً ورأسياً على الهمّ السياسي والأمني، وحتى لا نفقد بلداً عربياً مهماً جداً وننعى بقاءه مثل نعينا لفلسطين وسبتة ومليلية وجزر الإمارات والإسكندرون، علينا أن نفهم أن الصومال يتجه إلى طريق المتاهات أو النهب والتقطيع..