في الغالب يتواجد خبر القبض على مهربي المخدرات أو إحباط تمريرها أو مصادرتها من مستهلكيها في معظم الإصدارات الصحفية، لكن في عدد يوم الثلاثاء الماضي من جريدة "الرياض" كان هناك خبر على الصفحة الأولى بعنوان "وادي لبن يدر خمراً.. وشحنة بطاريات مسروقة في الخرج".. وعلى الصفحة الأخيرة عنوان يقول "حصار مكافحة المخدرات على أهل الفساد يحبط تهريب نصف طن حشيشاً"، وفي الصفحة نفسها خبر آخر يقول "في سامطة قبض على 74كلغم من الحشيش"..
ومع أن أجهزة الأمن على اختلاف تخصصاتها وفروعها قد أثبتت نجاحاً مشهوداً ومشكوراً لدى جميع المواطنين لا يقل عن نجاحها المتميز والمتفوق في محاربة الإرهاب حتى أنها ألجمته وأصبحت تقاطعه بتدمير قواه قبل أن يشرع في تنفيذ جرائمه.. إلا أننا مثلما يلفت انتباهنا ذلك التبني المتزايد لرعاية العمليات الإرهابية تمويناً أو تحريضاً ونجد أن الأمن قد سيطر وتفوق هناك تماثل مع تدافع عمليات التهريب للمخدرات مما يجعلنا نستعبد أن يكون المهرب والمروج يلبيان رغبة استيراد وإغراء أسعار.. لا أتصور أن هذا هو كل شيء .. لأن ما يتعرض له المهرب والمروج من مخاطر أمنية تجعله يفكر في طرق ربح أخرى.. هناك من يصدّر من أجل التصدير.. وهناك من يساوي بين عمليات الإفساد عن طريق تسريب المعلومات الخاطئة حواراً أو إعلاماً لإضعاف ثقة المجتمع بذاته، خصوصاً بين صفوف فئة الشباب، فإن هناك أيضاً من يستهدف هؤلاء الشباب بإخراجهم من صفوف التعليم أو المهنة أو استقرار الحياة العائلية إلى ضياع المخدرات ومخاطرها عقلياً ونفسياً وبدنياً ثم اجتماعياً..
وأذكر قبل خمس سنوات تقريباً وكان لديَّ اجتماع مع أحد العاملين خيرياً بمكافحة المخدرات، أكد لي أنه في مدينة أوروبية معينة إذا تأكد المصدّر بأن الناقل للمخدرات سوف يدخلها إلى دولة خليجية وبالذات المملكة فهو يلغي الثمن أو يخفضه بما يغري على احتمال مخاطره.. فالمهم في عملية التبادل مسألة الوصول إلى الداخل..
إذاً نحن مستهدفون اجتماعياً ومخاطر الاستهداف لا تستطيع أجهزة الأمن وحدها أن تواجهها، فمثلما يجري تحريك الوعي الديني وتوجيهه لتصحيح المعلومات كي يتضاءل وجود الإرهاب نحن بحاجة إلى تحريك الوعي الاجتماعي من خلال ميلاد منظمات أو جمعيات تتداخل مع مهمات المدرسة والجامعة، وتكون وسائل وعي وترشيد تكشف للشاب قسوة مخاطر تعاطي المخدرات وكيف أنها تحوله حتى ولو توقف عن استعمالها إلى مجرد إنسان مهزوز عاجز عن تحمل مختلف المسؤوليات، ويتحول إلى كائن سلبي عاجز عن تبني المبادرة الإيجابية في حياته أو عمله..
نستطيع أن ننوع هذه المنظمات أو الجمعيات بانتشار كبير وواسع لأن مهمتها ستكون رائدة ومعينة لمهام أجهزة الأمن التي لا أعتقد أن مثيلاتها قد حققت في البلاد الأخرى ما هو منجز في بلادنا، لكننا نواجه هجوماً ناعماً لا يضع الرصاصة في يد القاتل مثلما يفعل الإرهاب، لكنه يسحب منه كل مقومات صلاحيته كمواطن..