[center]انه اليوم الاول بعد سفر أبي وامي، نهضنا باكرين كعادتنا ، لكننا بقينا في فراشنا الممتد فوق زربية حمراء جميلة كانت تغطي -الغرفة الجديدة-هكذا كان يحلو لنا ان نسميها بعدما أعاد ابي تصليح أرضيتها وتبييض جدرانها.بقينا في الفراش نمارس لعبتنا المفضلة ...السباحة تحت الاغطية..كنا صغارانشع حيوية وعنفوانا...نتخيل انفسنا ونحن تحت الاغطية اننا في اعماق البحر وعندما تلامس اقدامنا ارض الغرفة نحس وكاننا وصلنا الى اليابسة سالمين...سبحنا وسبحنا ..الى ان سمعنا صوت جدتي تنادينا للفطور..تجمعنا حول المائدة ذات اللون الاخضر التي كان ارتفاعها الشاهق يضايقني...الا انني اكتشفت بعد سنوات عديدة انها كانت اقرب الموائد من الارض.
كان الفطور عبارة عن الحليب الممزوج بالقهوة..مصحوبا بالخبز المدهون بالزبدة ومربى المشمش ومصحوبا كذلك بحلوى سلو التي قدمت في اطباق فردية تفاديا
لحصول اي صراع حول استئثار الكبار بحصة الاسد..ولازالت ذاكرتي محتفظة برائحة الانسون النبعثة من الحلوى الممزوجة بالسمسم المحمص..انه يوم رائع في غياب الوالدين غيابهما يساوي الحرية...فكان كل منا يتناول فطوره بطريقته الخاصة...أما انا فقد سكبت نصف كاسي في صحن السلو وعجنته كرات ثم تفننت في اكله...وأما اخي احمد فقد دك الحلوى دكا وبدأ يحفر فيها انفاقا
ياكل ما اخرجه من الانفاق يحمله مباشرة بالملعقة الصغيرة الى الفم....وكانت اختي التي تكبرني بسنتين قد صيرتها حساء بمزجها بكل حصتها من الحليب والقهوة....بعد الفطور انطلقنا الى اللعب في الحديقة المجاورة للبيت ...وقد كانت لعبتي المفضلة ان اصعد شجرة الزيتون المحايدة للبيت ..فاركب اعلى اغصانها ..اهزه هزا عنيفا...وأنا اصدر صوتا عاليا كنت اظن انه يشبه صوت الطائرة وهي محلقة في السماء.
....سرعان ما عاد اغلبنا بعد سماع بكاء اكبر اخواتي..لقد عاقبتها جدتي حينما اكتشفت انها أنقعت نصف دلو من الحمص في الماء، ليلة امس،بعدما أمرتها بذلك بغية تحضير الكسكس لغذاء اليوم...ماذا عساها ان تفعل وهي تحب الحمص كثيرا؟؟؟؟؟؟؟؟؟
بكاء...شهيق...دموع تتهاطل كالامطار...كل ذلك بسبب صفعة واحدة..هنا ثارت ثائرة أحمد ذي الخمس سنوات...زمجر..توعد..رد بكلام جارح على جدتي والغضب يملأ صدره الصغير...لا ادري كم مر من الوقت قبل أن يجمع كل واحد من اخوتي بعض ملابسهم وبعض حاجاتهم....وطبعا حاجات غيرهم...في صناديق من الورق المقوى..ويقررون هجر البيت ، وقد صنعوا خيما من الاغطية بربطها باشجار جنب البيت...كانت هذه اول ثورة حصلت في تاريخ الاسرة..طبعا لم اشارك فيها..لانني كنت أشدهم خوفا من العقاب..حاولت بعض الجارات ان تتدخل لاصلاح الوضع لكن سرعان ما تراجعن بعد سماعهن من احمد اقسى الكلام...مرت الساعات بطيئة..وعند حلول الغذاء..طلبت مني جدتي ان احمل اليهم الاكل..لم يرفضوا لان الجوع كان قد تمكن منهم..فاتوا على اخر ما في صحونهم..وعند حلول الظلام، بدأ الخوف يتسرب الى قلوبهم الصغيرة..تألمت كثيرا لحالهم وقد بدا ان ثورتهم قد خمدت ، لانهم لملموا كل ما اخذوه معهم وتجمعوا قرب البيت جنب الباب الرئيسي ...انتظرت الى حين صلاة جدتي..فتسللت الى الى غرفة الضيوف وفتحت لهم الباب المطلة على الحديقة ..فدخلوا مسرعين يتضاحكون ضحكات الانتصار..أما انا فقد كان عقابي شديدا... كان هذا اول يوم في سفر ابي وامي..الذي استمر ستة عشر يوما...بعدها كانت العودة..وكان العقاب عسيرا
بقلمي