من أجل حبيبه لم اعرف عنها سوى اسمهافتحت عيناي الصغيرتان على الدنيا في حضن جدتي العجوز,خرجت لتوي من بطن امي ,لم أكن مثل بقية الاطفال,فجو المكان الذي ولدت فيه متعكر فوجه ابي عابس,مع اني صبي وامي في شبه , حاله من الاغماء واخوتي كلهم بحور من الاحزان ,بكيت كما يفعل الاطفال ,زفر ابي ونظر ونهض بغضب,نظر اخوتي الى بعضهم لبعض وتركو المكان, بقيت في حضن جدتي وهي تهدئني وعينا أمي لا تنظران الي فقط بل تخترقاني الى النخاع.. لم أفهم الموقف,لم نهض ابي ؟ ولم غادر اخوتي المكان؟ المهم اني خرجت الى النور ,ويال غبائي ..أي نور..؟ فمصباح هذه الغرفه أو الاصح ((خرابه))لايتعدى أن يكون ضؤ شمعه من زمن نوح ,لكني مع كل ذالك تفائلت عندما ناولتني جدتي لامي, احتضنتني بين ذراعيها الواهنتين وهي ترتجف, أغمضت عيني في اطمئنان بينما تتمتم امي بكلمات لا افهمهالكن لها رنة حزينه ,وجدتي تهز رأسها بأسى , وأنا غارق في حالة من الاطمئنان والراحه, الى ان سقطت قطرة ماء على وجهي, فتحت عيني ابحث عن المصدر ,ان بي اجده عينا امي ..لم أعرف لم انهمر المطر منهما ؟ او لما كانت قسمات وجه امي توحي بالشجن فأنا هنا ..لكن الكل يحمل في قلبه هما عظيم , حاولت فهم هذا الهم وأنا رضيع في مهدي لكني اكتشفت انه اكبر مني , لذلك اجلته الى مرحلة لاحقه .. لكن الى الان وفي قلبي غصه ..لما لم يفرحو بي حين خروجي؟ لما لم تبتسم امي في وجهي ؟ لا علم لي ..وانا غارق في حنان طول هذه الفترة وأنا في حضن امي ,وهي جالسه على مرتبه الى ان وصل ابي .. وضعتني امي في حضنها ففزعت لكنها نظرتني بنظره توحي الي بالامان ..فهدئت
وضعتني في علبه خشبيه قالو عنها سريري .. جلس ابي بجوار امي على المرتبه وأخذ يحدثها .. ففهمت أني مجرد فم جائع أخر يسطف في طابور الجوعى المتوجب على ابي اطعامهم ..أو هكذا تخيلت .. لم اكترث لذالك ابد, طلبت منه امي ان يلقي نظره علي , فاخذني ووضعني في حضنه .. كم هو دافء هذا الحضن.. نظر الي نظرة حزن ممزوجه بشفقه وفرح مختبئ فيما وراء العين .. لم اعرف هل هذه مشاعره تجاهي ام مشاعره تجاه نفسه؟؟ .... هيبه منفره طغت على المكان.. اخذت افحص ما حولي , فما وجت الا قطعا من الخرداوات المتناثره ,
فسقف هذ المكان عباره عن اطارات سيارات وقطع من الخشب , والجدران ماهي الا حصى ورمل مصفوف فوق بعضه ولم يطلى حتى .. وعلى احد الجدران صوره لمسجدمحاط بأشجار الزيتون وله قبة خضراء كما لون العشب في بداية الربيع ..اخضرار هذه القبة ينافس اخضرار اشجار الزيتون , عجزت ان اعرف لمن الغلبة ..
وفي جنب هذ المسجد يقف مسجد اخر في شموخ له قبة ذهبيه كما شمس الاصيل ..اما على الاحائط الاخر ثلاث صور لوجوه لم اعرفها احدها لرجل عجوز أما الاخرى لشابين يشبهان ابي .. وعلى كل ركن من اركانها شريط اسود.. اما الارضيه ماهي الا طين نثرت عليه بعض الكراسي الخشبيه التي أكلت حوافها الدواب ..
ألم اقل لكم انها((خرابة)) وليست غرفه .. ازعجني هذ المنظر فخرجت من حلقي صرخات مداويه اخترقت حاجز الصمت .. بعدها ناولني ابي الى امي ورحت في نوم عميق .
ومرت الاشهر وأخذت تتراكم بعضها على بعض الى ان اصبحت سنين .. فكبرت وأصبحت سنين عمري لا تتجاوزعدد اصابع يدي .. كنت اسمع الكل يتذمر .. الكل يحكي عن وطن لم اسمع به الا منهم
الكل يتكلم عن حق العوده للوطن .. واننا بلا وطن لا نساوي شياء, وكم تعجبت منن غبائهم ..السنا نعيش فوق الارض؟ اذن هذا وطننا ولا حاجة لكل هذا الصراخ ..ولكن من سيهتم لرأي طفل ؟ أذن ادعهم والعب بالحجارة
ابني منها بيوتا ومدن .. كم أحلم بأن اكون حاكما على مدينه ما .. تبدء شمس النهار بالغروب والشبان المدججون بالسلاح يظهرون فجأه ويختفون كما ظهرو .. لا أعرف من هم , فبمجرد ظهورهم أعود الى بيتي .
نجتمع انا واخوتي الصغار نلهو ونلعب , فتخرج أمي من المطبخ وهي تصرخ فينا مهدده متوعده , تهدئها جدتي
وتذكرها بأننا أطفال وكل الاطفال يلعبون مثلنا .. فتنزل دمعه امي التي لم اعرف لها سبب , توجه نظرها الى الصور المعلقه بالحائط وتقول
أولا يكفي فقدي لهذين الأثنين , وذلك الثالث لم أعرف عنه شيء منذ عودته الى ارض الوطن .. ثلاثه يواجهون الاموت كل يوم على حد تعبيرها ) ثم تخنقها العبره وتمنعها من أكمال الحديث
,فتاخذها جدتي الى الامطبخ تهدئها لتستأنف عملها ..يعود ابي الي البيت واخوتي وهم في غاية التعب .. نجتمع على المائده نتفقد بعضنا .. كالعاده ينقصنا اثنين تعودنا غيابهم ,فغالبا مايأتون للنوم ولانراهم طيلة اليوم .. ثم بدانا الاكل بعد ان يدعو ابي بعوده الوطن .
مضت سنوات أخرى وكبرت , فأخذني ابي ذات يوم الى بناية صغيره مهترئه بالكاد هي واقفه وتستطيع التقاط انفاسها لتصارع الزمان .. فدخلت الى غرفه صغيره , وهي الاخرى اكل عليها الدهر .. رتبت عليها كراسي وطاولات معدوده .. جلسنا انا وبعض الاطفال , حدثنا شخص قيل انه المعلم ..حدثنا عن المدرسه وعن الكتب والاجتهاد.. وقال لنا((اليكم ياابنائي اهم شيء في حياتكم : اذ سألكم احدعن هويتكم قولو : أنا فلسطيني , وقف احد الطلاب وقال : ماذ تعني فلسطين ؟؟ اجب المعلم : أي انك من وطن يدعى فلسطين , قال الولد : ولكن هذه البلادلا تدعى فلسطين , أجابه المعلم : لديك وطن هناك خلف الحدود وهو فلسطين وختم الحوار .
رحت أضحك في داخلي وأقول : يالغباء هذ المعلم كيف يكون هناك بلد ووطن يسمى فلسطين ونحن لانعرفها حتى .. وفي الظهيره خرج الفوج القليل من الاولاد رحت مسرعا الى البيت ويالي حسن حظي الكل مجتكع هناك وبمجرد ان رأيتهم انفجرت ضحكا .. فسألني الجميع عن سبب ضحكي .. اخبرتهم عن غباء المعلم ,, ويالخيبة املي لم يضحك احد على طرفتي . بل انزلت امي رأسها بحسره وصوب اخوتي الي نظرات اقسى من رمي النبال واخذ ابي يتاملني للحظات ومشاعر متضاربه تجول في نفسه ثم قال : معلمك محق .. وطننا فلسطين هناك خلف الحدود
والدي يتحدث عن فلسطين تلك ماذ أصابه ؟؟
طول عمرنا ونحن هنا ؟ فأين تلك الفلسطين التي يتحدث عنها الجميع ؟؟
قرأ ابي أسألتي الحائرة في عيني , فامسك بيدي وخرجنا من البيت ومن الحي .. وصلنا الى الشاطئ
اوقفني ابي هناك , وقال ( اترى تلك المباني البعيده؟؟ ظللت ابحث عنها برة .. ننزل ابي الي مستواي . . وامسك يدي واشار الى ذالك المكان .. عندما رأيته , ارتسمت على ملامحي علامات النصر .. فقال لي ((انها عكا : وهي مدينه فلسطينيه ..سألته بكل ما تحمله الارض من برائه.. ((لمذلا نذهب اليها اذا ؟؟ )) اطلق اهااات طويله من جوفه .ز ثم قال (( تعال أخبرك لمذا لا نعود اليها .. جلس على الشاطئ وجلسته الى جنبه وحبات الرمل تداعبني .. احس بدفء .. وسرد لي الحكايه كلها .. عن اولائك الاوغاد اللذين دنسو تربنا ودهسو ثمار البرتقال ومنعو اغصان الاشجار من التنفس ... واللذين علبو دمائنا وصادروها .. وسرقو حبات عرق الفلاحين .. وسلبو منا كلمتنا .. وجوعو اطفلنا .. واوقفوا انهارنا ومنعوةها عن الجريان .. وفرضو منع التجوال الدائم علينا
عندما انتهى بدأت احس ببروده هذه التربه .. وشوق عجيب يجرفني للشق الاخر ...
ومن هناك بدات قصه كفاحي .. منذ ذالك اليوم .. اخذت اتمسك بفلسطين .. كنت احج كل يوم الى ذلك الشاطئ .. القي التحيات و القبلات على القريه البعيده .. وسيل من مشاعري يجرفني نحوها .. بت اشعر بغرابه هذ الامكان ... امنيتي ان اضم هذ التراب المقابل واستنشق رائحة النصر ..
نصر الشهيد النابعه من جوف الارض .. ويهز كياني .. نداء ثكلى او دمع مقلة ,, واليوم انا على تراب حبيبتي
تضمني واضم ترابها .. اه اه ... كم كنت احبها ولا زلت .. اتيت الى البعيد من اجل حبيبه لم اعرف عنها سوى اسمها .. لكن الان , بذات سيضمني ترابها .. ستعلمني كيف اكتب حروف مدينتي .. وسأخبرها كيف انتظرت هذه اللحظه طول سنوات .. وضغطت على الزناد .. وما بقي منا سوى اشلاء .. احتضنتها حبيبتي لتكون قصه ترويها لابنائنا القادمين .. وانشوده يتغني بها كل الثائرين ...
..
انتهى ..